لقد أمرنا ربنا بالتوبة إليه فقال : يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ثم إن ربنا تبارك وتعالى قد بين أن التوبة هي طريق الفلاح فقال سبحانه . وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون *فالتوبة ليست خاصة بالمذنب الجاني بل عامة في حق جميع المؤمنين الذين يريدون الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه . قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
"والله إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة وعن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه
قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني استغفر في اليوم مائة مرة. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم ،
وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة، وهذا لا يعني العدد بالتحديد وإنما كثرة الاستغفار والتوبة . ثم إن ربنا تبارك وتعالى يفرح لعبده التائب
المنيب إليه ويضرب رسولنا صلى الله عليه وسلم مثلا لذلك بالرجل الذي خرج في سفر على راحلته وبينما هو في وسط الصحراء الجرداء التي لا طعام فيها ولا ماء،
إذا براحلته التي عليها طعامه وشرابه قد انفلتت فظل يفكر ماذا وهو في وسط تلك الصحراء المهلكة فلما أيقن بالموت جاء تحت شجرة فنام ثم استيقظ من نومه فإذا راحلته عنده وعليها طعامه وشرابه فقام في فرح شديد وحمد ربه تبارك وتعالى وقال من شدة الفرح "اللهم أنت عبدي وأنا ربك " أخطأ من شدة الفرح فالله تبارك وتعالى أشد فرحا بعبده التائب من هذا براحلته . يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فألتف إلى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك فأخطأ من شدة الفرح ". وربنا تبارك وتعالى لم يقنط عباده بل فتح لهم باب التوبة على مصراعيه ، ويظل ذلك الباب مفتوحا حتى تظهر علامات الساعة الكبرى وهي طلوع الشمس من المغرب . فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ". وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله عز وجل يقبل توبة العبد مالم يغرغر" (يغرغر: أي عند وصول الروح إلى الحلقوم ساعة الإحتضار). قال سعيد بن المسيب : أنزل قوله تعالى فإنه كان للأوابين غفور* في الرجل يذنب ثم يتوب ، ثم ي ثم يتوب . وقال طلق بن حبيب : إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العبد ولكن أصبحوا تائبين وأمسوا تائبين . وقال عبدالله بن عمر: من ذكر خطيئة ألم بها فوجل منها قلبه محيت عنه في أم ا لكتاب . وقيل : إن العبد ليذنب الذنب فلا يزال نادما حتى يدخل الجنة فيقول إبليس : ليتني لم أوقعه في الذنب . وقال حبيب بن ثابت . تعرض على الرجل ذنوبه يوم القيامة فيمر بالذنب فيقول : أما أني قد كنت مشفقا منه قال : فيغفر له . ويروى أن رجلا سأل ابن مسعود عن ذنب ألم به هل له من توبة . فأعرض عنه ابن مسعود ثم التفت إليه فرأى عينيه تذرفان : فقال له . إن للجنة ثمانية أبواب كلها تفتح وتغلق إلا باب التوبة فإن عليه ملكا موكلا به لا يغلق ، فاعمل ولا تيأس . وقال عبدالرحمن أبي قاسم : تذاكرنا مع ابن عبدالرحمن توبة الكافر وقول الله تعالى : إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف. فقال : "إني لأرجو أن يكون المسلم عند الله أحسن حالا" . وقال عبدالله بن سلام . لا أحدثكم إلا عن نبي مرسل أو كتاب منزل . إن العبد إذا عمل ذنبا ثم ندم عليه طرفة عين ، سقط عنه أسرع من طرفة عين . وقال عمر رضي الله عنه : اجلسوا إلى التوابين فإنهم أرق أفئدة . وقال الحسن البصري رحمه الله : إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل ، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفاجئه الشيء ويعجبه فيقول : إني لأشتهيك ، وإنك لمن حاجتي.